فجأة انقلبت المناخات الإيجابية التي كانت تتحدث عن احتمال ولادة الحكومة بين لحظة وأخرى أو يوم وآخر بعد أن تم تذليل عقدة القوات اللبنانية بقبول الأخيرة بما عرض عليها من حقائب وزارية ووضع حد لتضخيم حجمها ورفع سقف مطالبها غير الواقعية، وعاد ليحل مكانها مناخات التشاؤم، حتى أن البعض بات يتحدث عن اننا أمام العقدة الأكبر التي حالت دون الإعلان عن الاتفاق على تشكيل الحكومة.. وهذه العقدة، حسبما يرى المراقبون، تنبع من أن الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري يرفض تمثيل تكتل النواب الوطنيين في الطائفة السنية الذين يحق لهم أن يمثلون بوزير في الحكومة حسبما ينص دستور الطائف الذي تحدث عن تشكيل الحكومة وفق الأحجام النيابية، وهذا الموقف لرئيس الحكومة يعكس إصراره على احتكار تمثيل الطائفة السنية رغم أن كتلته لا تحوز سوى 20 نائبا ما يعني حسب المعايير في توزيع الحقائب أن تحصل على أربعة وزراء بالقياس إلى كتلة التيار الوطني الحر المكونة من 29 نائبا والتي حصلت على ست حقائب، وكذلك تحالف امل حزب الله المكون من 28 نائبا وحاز أيضا على ست حقائب.. وبهذا المعنى فإن الرئيس الحريري لا يملك الحق في رفض تمثيل كتلة النواب الوطنيين في الحكومة، وان رفضه لذلك إنما يشكل خروجا على المعايير المتعارف عليها في تشكيل حكومات ما بعد الطائف، ومحاولة مكشوفة لعدم الإقرار بنتائج الانتخابات النيابية التي يجب أن يعبر عنها في تشكيل الحكومة..
لم يكن الرئيس الحريري يتوقع ، حسب المصادر، أن تكون هناك عقدة سنية، وكان يعتقد أنه بمجرد تذليل عقدة القوات اللبنانية سوف يعالج تمثيل الكتلة السنية الوطنية من خلال حصة رئيس الجمهورية من دون أن يؤدي ذلك إلى الانتقاص من حصته الحكومية التي كان يحظى بها في الحكومة السابقة وهي ستة وزراء. غير أنه فوجئ برفض الرئيس ميشال عون لذلك وإصراره على عدم تمثيل النواب الوطنيين من حصته.. على ان ما جعل الأمور هذه المرة مختلفة عن كل المرات السابقة موقف حزب الله وحركة امل بدعم مطلب تكتل النواب الوطنيين، وبالتالي إصرارها على تمثيلهم من حصة الطائفة السنية وليس من حصة اي طائفة أخرى باعتبار ذلك حق مكتسب لهم منحتهم اياه نتائج الانتخابات..
أمام هذا الوضع المستجد تأجل الإعلان عن تشكيل الحكومة وبدأ الحديث عن الاحتمالات، فهناك من يرى أن الأمور تعقدت وان الحكومة مؤجلة إلى إشعار اخر، وهناك من يرى أنه من الممكن أن تجري عملية إخراج ترضي جميع الأطراف.. لكن من يدقق بالمشهد لابد وأن يدرك بأن المسألة هذه المرة مختلفة كليا، فحسب الله وحركة امل ليسا على استعداد لتمثيل النواب السنة الوطنيين من حصتهما كما كانا يفعلا في السابق، والرئيس عون كذلك، وما يعزز موقف امل وحزب الله حصول حلفاؤهما السنة الوطنيين على تمثيل نيابي وازن من جهة، والتحول في موازين القوى في المنطقة والعالم في غير مصلحة قوى 14 آذار من جهة ثانية، وتراجع قوة الرئيس الحريري سياسيا واقتصاديا لاسيما بعد حادث احتجازه في السعودية وإطلاق سراحه بعد الحملة التضامنية معه من قبل الرئيس عون وحزب الله وحركة امل والتدخل الفرنسي من جهة ثالثة..
انطلاقا مما تقدم فإن المراقبين يرون أن الإعلان عن تشكيل الحكومة قد يتأخر بعض الوقت ريثما يجد الرئيس الحريري مخرجا للتراجع عن رفضه تمثيل النواب السنة الوطنيين من حصة الطائفة السنية، لأن موازين القوى المحلية ليست لمصلحته وهي باتت في مصلحة قوى 8 اذار وحليفها التيار الوطني، في حين أن موازين القوى في المنطقة والعالم تغيرت لمصلحة ولادة تعددية دولية على حساب هيمنة الولايات المتحدة الأميركية على العالم، وبهذا المعنى فإن قدرة الرئيس الحريري على الاستمرار في موقفه الرافض تمثيل النواب الوطنيين لها حدود خصوصا وأن له مصلحة بتشكيل الحكومة وعدم الاعتذار وهو ما ينطبق أيضا على الموقف الأميركي..
لهذا كله من الممكن أن نشهد حركة اتصالات لمحاولة إيجاد مخرج لكن الأكيد أن لا حكومة من دون تمثيل النواب الوطنيين من حصة الطائفة السنية هذه المرة وليس من حصة اي طائفة أخرى. .